الوصف والحوار - السنة 8 أساسي
1- الوصف:
تعريف الوصف:
الوصف هو تصوير الأشخاص والأماكن والأشياء بواسطة الكلام. وهو في الخطاب القصصيّ، المقطع الذي يُقابل كلاّ من السرد (حكاية الأعمال)، والحوار (حكاية الأقوال)، والوصف أداة أساسيّة في العمليّة السرديّة، به يتمّ نقل الأحوال والسّمات، ولا يُمكن الاستغناء عنه لأنّه يمدّ قارئ القصّة بالقدرة على التخيّل والإيهام بالواقع، فهو أداة التمثيل وطريقة للتأثير في المُتقبّل.
ولئن كان مدار السّرد مادّة حدثيّة قوامها الأعمال المتميّزة بالحركة، فإنّ مدار الوصف مادّة قوامها الموصوفات الساكنة باعتبارها تدور في فلك المكان. لذلك فالسّرد يتّصف بالسرعة التي تتقدّم بالخبر، في حين لا يتقدّم الوصف بالخبر لبعده عن الزمن. ورغم طبيعة الوصف الساكنة إلاّ أنّه ينتظم وفق حركة خاصّة به لها علاقة بالموصوفات وأنواعها، وبالصّفات وضروبها، وبعلاقة الموصوفات بالمكان وبموقع الواصف... فكيف ينتظم الوصف المتعلّق بالأماكن والشخصيات؟
نظام الوصف:
يدور الوصف حول الشخصيات والأماكن والأشياء. فالسّارد يختار حركة معينة تنظّم الوصف في المكان وذلك لغاية فنيّة مرتبطة بالخطاب السّردي أو لارتباط الوصف بموقع الواصف.
وأبرز طرق تنظيم الصف في المكان:
- الوصف من الأسفل إلى الأعلى أو العكس.
- الوصف من الأمام إلى الخلف أو العكس.
- الوصف من الداخل إلى الخارج أو العكس.
- الوصف من القريب إلى البعيد أو العكس.
وقد اتّبع "محمود تيمور" في النصّ "عروس العالم الجديد" نظام الوصف من الأعلى إلى الأسفل في الفقرة التالية: "هناك في رأس ذلك المارد (ناطحات السحاب) تنظر حولك فتنكشف لك نيويورك على مد البصر: جزيرة رشيقة، شوارع منظّمة، حدائق منسّقة، أبنية متراصة، أنهار جارية..."
إنّ مرصد الوصف والواصف وموقع إبصاره أتاح له مجالا أكبر في رصد الموصوفات.
أمّا في نصّ "النهج" ص 19 فقد تغيّر المرصد حيث أنّ الواصفة كانت تجيل بصرها من داخل السيارة الواقفة في النهج فكان الوصف من الداخل إلى الخارج من مكان مغلق إلى مكان مفتوح "وكانت تجيل بصرها من نافذة السيارة... لم يكن النهج جميلا ولا رديئا كان بين بين..."
وأمّا إذا تعلّق الوصف بالشخصيّة ذاتها فإنّ حركة الوصف تكون:
- من الوصف الخلقي إلى الوصف الخلقي أو العكس.
- من وصف المظهر إلى وصف الخصال النفسيّة أو العكس.
- من الكل إلى الجزء أو العكس.
- من الأعلى إلى الأسفل أو العكس.
وقد يختار الواصف في تتّبعه لأوصاف الشخصيّة نظام التّفريع كأن يذكر صفة ثمّ يُفرّعها، أو نظام التعداد كأن يذكر صفات متتابعة لنفس الشخصيّة. وفي هذا السياق نُشير إلى أنّ الوصف لا يكون اعتباطيّا بل يعتمد على مهارة الواصف في اختيار نظام مُعيّن للموصوفات والصفات. والعبرة في الوصف الفنيّ ليس بالكمّ، بل بانتظامه وفق حركة يختاراها الواصف.
فلو تأمّلنا نصّ "سمعته يغنّي" للاحظنا الوصف القائم على الانتقاء حيث يقول: "وهو يملأ كفّه بذارا ثمّ يأخذ ينثر البذار ذات اليمين وذات اليسار وعيناه إلى الأرض تتفقّدان توزيعه على سطحها ورجلاه تتحركان ببطء ووجهه وجه العابد يتمّم أقدس فرض من فروضه". لقد انطلق الواصف من الجزء وهو اليد أداة العمل والبذل، ثم انتقل إلى العين فتتبّع حركتها المنسجمة مع حركة البذر ليصل إلى حركة الرجلين البطيئة المعبّرة عن المعاناة والدقّة في العمل وأخيرا يصف الوجه الذي يختزل كلّ هذه الحركات المعبّرة عن قدسيّة العمل في الأرض.
أمّا في نص "النائمة في الشارع" فقد اختارت "نازك الملائكة" نظاما آخر للوصف، حيث راوحت بين الوصف المادي ّللمتشرّدة والوصف المعنوي:
"كان البرق يكشف جسم صبيّة
رقدت يلسعها سوط الريح الشتوية
الإحدى عشرة ناطقة في خدّيها
في رقّة هيكلها وبراءة عينيها
ضمّت كفّيها في جزع في إعياء
ضمأى ضمأى للنوم ولكن لا نوم"
اختارت الواصفة نظاما في الوصف ينطلق من الكلّ إلى الجزء، من وصف جسم الطفلة إلى خدّها فعينها ثمّ كفّها، وهذا الوصف المادي يختزل البراءة والضّعف والتعب والألم، إنّ رقّة جسم الطّفلة المُتشرّدة يتقابل مع معاني القسوة والإهمال والجوع والمعاناة.
وسائل الوصف اللّغويّة:
يستعين الواصف بعدّة أساليب لغويّة من أبرزها:
- الوظائف النحويّة: كالنعوت والأحوال...
- التّشبيه.
- التّشخيص.
- المقارنة.
- المفاضلة.
- الجمل الإسميّة الوصفيّة.
- الأفعال الدالة على الوصف.
- المشتقات الدالة على الوصف مثل الصفات المشتبهة وأسماء الفاعلين...
ومن النصوص التي اعتمدت على الجمل الإسميّة الوصفيّة فضلا على الصفات والأحوال، نصّ "أم مخول": "كانت ريّا زوجة مخول تتربّع أمام لُكَنِ النحاس، يداها منهمكتان في دغدغة الحبّات الذهبيّة، وعيناها تُرافقان المشهد بلا مبالاة..."
ومن النصوص التي نوّع فيها الواصف أساليب الوصف نصّ "في الجريد": "يستيقظ الجريد النائم على بوّابة الصحراء، أشعث، أغبر، يستيقظ كمن نفخت فيه الروح، وينبري الناس في نشاط محموم، مُشوش، مُضطرب، شأن الكسالى، إذا نشطوا...". فقد اعتمد على عدّة مشتقات مثل الصّفات المشتبهة كما استعان بالتشبيه وبوظيفة الحال فضلا على الأفعال الدالة على الوصف، كلّ هذه الأساليب وغيرها اعتمدها "البشير خريف" لتصوير حالة الجريد وتحوّله من الجمود إلى النشاط والحركة مع بداية جني التمور.
وفي نص: "عروس العالم الجديد" يعتمد الوصف على التّشبيه حيث يُشبّه ناطحات السحاب بالمارد، والمصعد بالجنّ: "حقّا إنّها (ناطحات السحاب) لمارد من المردة مائل بقوامه يتعالى فرعنة وعُتوا، في مستطاعك أن تخترق جوفه بمصعد جِنيّ"
علاقة الواصف بالموصوف (موقع الواصف):
يرد الوصف على لسان الراوي أو على لسان شخصيّة أخرى، وهذا يُؤثّر في نظام الصفات: فالصّفة الواردة على لسان الراوي غير المشارك، يفترض أن تكون أقرب إلى الحياد والموضوعيّة، أمّا الصفة التي ترد على لسان الشخصيّة الموصوفة ذاتها فهي ذات طبيعة ذاتيّة أساسا.
فالواصف ينتقي الصفات التي يسندها إلى غيره حسب علاقته وموقعه ومصالحه، وتنطبق هذه الظاهرة على جميع الموصوفات بما فيها المكان والأشياء، فالإنسان البعيد عن قريته مثلا سينتقي من الصفات ما يُعبّر عن علاقة الشوق والحنين لقريته. ومثال ذلك ما ورد في نصّ "الأشجار هي الحياة" حيث انتقى الواصف صفات تُعبّر عن تقديمه للأشجار: "كانت أشجار البستان تزهو ذلك الوقت وتصرخ بنداءات حنونة تبشّر بموسم الخير، ولم أكن أرى الدنيا أجمل منها. كانت أجمل من الصّبايا وأرق من النبع..."
وظائف الوصف:
من أبرز وظائف الوصف الذي يرتقي بالخطاب
- الوظيفة السّرديّة:
ونجد ذلك خاصّة في وصف الأماكن قصد تحرير الإطار الذي تدور فيه المغامرة. وقد يكون وصف المكان مُوظّفا لإبراز ما آلت إليه إحدى الشخصيّات من أحاسيس وعلاقات لذلك يتم الانتقاء في وصف المكان على أساس التفصيل أو الاقتضاب.
ومن وظائف الوصف السرديّة كذلك استبطان الشخصيّات من خلال الكشف عن مواقفها وانفعالاتها.
- الوظيفة الرّمزية:
قد يتجاوز الوصف الموصوفات الماديّة في ظاهرها ليُصبح مركز الاهتمام الخواطر والأفكار، وهكذا يتجاوز الوصف الموصوف إلى ما يرمز إليه. ومثال ذلك تركيز المشهد على الشروق أو الغروب للدّلالة على تراوح الشّخصيّة بين التفاؤل والتشاؤم...
- وظيفة الإيهام بالواقع:
ويكون ذلك بانتقاء موصوفات ممّا هو مألوف في الواقع، لا ممّا تتخيّله الشخصية وتتصوّره.
2- الحوار:
لئن كان السّرد حكاية الأعمال والوصف حكاية السّمات والأحوال فإنّ الحوار هو حكاية الأقوال في مستوى النصّ القصصي، أي هو كلام الشخصيّة المباشر بلا واسطة.
ويدرس الحوار منه حيث:
أنواع الحوار:
- فردي: حوار تخاطب فيه الشخصيّة ذاتها.
- ثنائي: حوار متبادل بين شخصين.
- محاورة: حوار متبادل بين أكثر من شخصين.
- حوار مباشر: أن ينقل الراوي كلام الشخصيّة فيكون وسيطا بينها وبين المتقبّل.
أطراف الحوار:
- الشخصيات المتدخّلة في الحوار من حيث علاقاتها وترتيبها.
- يتمّ رصد العلاقات حسب حجم الرّدود فتكون متكافئة أو متساوية، وأحيانا يستبدّ طرف بالرّدود على حساب الأطراف الأخرى.
- يمكن تبيّن العلاقات بين أطراف الحوار القائمة على الخلاف أو التوثّر أو الهدوء والتفاهم...
نسق الحوار:
- يكون حسب لهجة المتحاورين، إمّا حوارا تصاعديّا أو تنازليا.
لغة الحوار:
- تدرس من خلال الأعمال اللّغوية المنجزة في الحوار والحوار والمعجم الغالب والخصائص التّركيبة...
- اعتماد أساليب الإنشاء المتنوّعة مثل الأمر والاستفهام والنداء والتعجّب...
- اعتماد وسائل الإثبات المتنوّعة.
وظائف الحوار:
- وظيفة الإخبار: يُعلِم الحوار بأحداث أو معطيات سابقة أو جديدة.
- وظيفة التّفسير: وهو الحوار الذي لا يضيف إلى الأعمال والعلاقات جديدا وإنّما يفسّرها فهو حوار ذو فائدة تعليميّة.
- وظيفة الاستبطان: يضطلع الحوار باستبطان الشخصيّة والتعبير عمّا بداخلها من أحاسيس وهواجس وأفكار... ويكثر هذا النوع من الحوار في القصص الذهنيّ والنفسيّ.
- وظيفة الرّمز: تكون الألفاظ فيه مشحونة بعدّة دلالات نفسيّة عاطفيّة وجدانيّة...
- الوظيفة التأثيريّة: غاية الحوار التأثير في المُتقبّل وإثارة مشاعره (الرحمة، الخوف، الشفقة، الاستعطاف...).
ليست هناك تعليقات: